الثاني الإعدادي - الفصل الدراسي
أصيبت مصر بكارثة جديدة عندما جاء "نابليون" بجيشه الفرنسى غازياً، وقبل وصوله إلى الإسكندرية أرسل إلى محافظها (السيد محمد كُريم) يطلب منه مساعدته فى احتلال بلاده، مقابل البقاء فى منصبه محافظاً، ولكن الزعيم المصرى العظيم رفض بكل إصرار أن يخون بلاده، وأخذ يثير الوطنية فى صدور المصريين، والذين هبوا جميعا يقاومون المحتل الدخيل.
استطاع نابليون أن يقبض على هذا الزعيم البطل ويقدمه للمحاكمة العسكرية التى حكمت عليه بالإعدام ومصادرة أمواله، وكان يمكنه أن يفتدى نفسه من الموت (بثلاثين ألف ريال)، وتقبل الزعيم هذا الحكم الظالم بإيمان كبير، وشجاعة نادرة قائلاً للقضاة الفرنسيين : "أما حياتى فلست متمسكا بها، ولا حريصاً عليها فهى منهية فى وقتها المحدّد لها من الله".
هب الشعب المصرى يدافع عن وطنه فى ثورة عنيفة، واتجهت الأنظار إلى زعيم آخر ، غير أن "نابليون" تمكن من الانتصار المؤقت بقوة مدافعه، وكثرة عتاده وأسلحته.
ولكن بقيت ثورة الشعب كامنة فى النفوس تنتظر ساعة الخلاص، وتأكد نابليون أنه لن تهدأ ثورة هذا الشعب، وأنه لن يستتب له الأمر فى مصر، فغادر البلاد خفية خاصة بعد أن علم بتدهور مركز فرنسا الحربى فى أوروبة!
جاء "كليبر" خلفاً لنابليون، وعاد المصريون إلى الكفاح بثورة شعبية لا مثيل لها، اشتركت فيها كل طوائف الشعب فى وطنية صادقة وصمود نادر مدة سبعة وثلاثين يوماً، حاصر فيها الغزاة منافذ القاهرة بالمدافع الثقيلة ليمنعوا وصول الغذاء إلى جماهير الشعب الثائر حتى خيم شبح الجوع على أهل القاهرة، ومع ذلك ظل الشعب ثائراً لا يخاف الجوع، ولا ترهبه المدافع.
هب شعب مصر الثائر يقاوم المحتلين فى كل مكان، لأنه أحس أن الوطن وطنه، ومسئولية الدفاع عنه هى مسئوليته وحده، وكانت منطقة البحر الصغير فى المنصورة فى مقدمة المناطق الثائرة بزعامة البطل (حسن طوبار).
ولم تكد تبدأ حملة "بونابرت" على هذه المنطقة حتى اتصل (حسن طوبار) بمشايخ القرى وأهل البلاد المجاورة يثير حماسهم للمقاومة والصمود، وحاول الفرنسيون اجتذابه إليهم فلم يفلحوا، فعملوا على إرهابه والاشتباك مع جنوده فى معركة حامية فى قرية "الجمالية" انسحب بعدها الفرنسيون بعد أن تمكنوا من إشعال النار فى القرية وحرقها!!!
كان لصمود الشعب فى هذه المعركة وانتصاره أثره فى رفع الروح المعنوية لشعب مصر الثائر، وحاول الجنرال "فيال" أن يجتذب (حسن طوبار) مرة ثانية، ولكنه رفض بإصرار، فحاول مع رجاله القبض عليه واستعانوا ببعض الأهالى، ولكنهم نسوا أن الشعب متضامن معه، ولن يجدوا أحداً يساعدهم على ذلك أو يدلهم على مكانه، وامتد لهيب الثورة إلى دمياط، واتجه "طوبار" إليها ليعاونها على التحرير من قبضة المستعمر، فحشد مراكبه الشراعية، واشترك أهالى القرى المجاورة فى معركة مع الفرنسيين بدأت بقتل الحراس المرابطين فى المواقع الأمامية من الفرنسيين، واشتدت المعركة فقتلوا الحامية الفرنسية فى "عزبة البرج" وقتلوا بحارتها وجنودها مما جعل الجنرال "فيال" يقتحم بوحشية هو وجنوده هذه القرى، فأخذوا يقتلون النساء والأطفال، وينهبون القرى ويشعلون فيها النار، وبرغم تلك الفظائع، كانت حركة المقاومة تشتد، و "حسن طوبار" يواصل دوره الرائع فى تنظيمها ودفعها إلى الأمام.
وقرر "نابليون" مع رجاله التخلص منه وتدمير قرية "المنزلة" بإرسال حملة لها من البر وأخرى من البحر للاستيلاء عليها، ولكن المقاومة الشعبية وضعت حيلة بارعة أذهلت المحتلين، فقد وجدت الحملة الأولى قرية "المنزلة" خالية من جميع سكانها إلا الشيوخ والعجائز، فاحتلها الفرنسيون فى عجب ودهشة، وأما الحملة الثانية ففوجئت عند المطرية بسفن "حسن طوبار" يحتشد فيها الثوار، وأخذت تطاردها حتى تسترد "دمياط"، ولكن نجدة سريعة لسفن فرنسية استطاعت أن ترد الثوار، ولم تمكنهم من مواصلة هجومهم.
وهكذا وقف شعبنا المجيد بكل إصرار أمام جيش فرنسا الهائل، وقفة كلها ثقة وإيمان، وصبر على الشدائد، حتى كتب الله له النصر والخلود.
تغلغل الفرنسيون فى احتلال مصر حتى وصلوا إلى الصعيد فى قرية (نجع البارود جنوبى قنا)، وثار الأهالى ثورتهم القوية، واندفعوا نحو سفن الفرنسيين واستولوا على ما بها من ذخيرة، واستخدموها فى مهاجمة سفينة القائد الفرنسى حتى كادوا يستولون عليها، لكنه أشعل فيها النار قبل أن يستولى عليها الثوار، فتعقبوه وهو يصارع الموج، وحملوه إلى الشاطئ،إنقاذاً له، ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة من شدة الإعياء والتعب.
تتابعت هجمات الفرنسيين على الصعيد من أسوان إلى قوص، فدبت حركة المقاومة الشعبية، وعند بلدة "أبنود" دارت معركة حامية بين قوات الشعب والفرنسيين برزت فيها بطولة ثائر مصرى هو (أحمد الأبنودى) الذى عاهد أهل قريته على الصمود والكفاح، وقد تحصنوا فى مكان حصين يطلقون منه الرصاص على الأعداء، الذين أشعلوا النار فى مساكن القرية، وأخذوا ينصبون مدافعهم لتحدث ثغرات فى الحصن الذى احتمى فيه الثوار، وصعد ( أحمد الأبنودى) إلى مئذنة المسجد الذى كان يحتمى به، وهو يرسل طلقاته المدوية على الأعداء ويردد : ( الله أكبر الله أكبر).
وعندما جاء الليل تسلل من المسجد بعد أن لبس ثياباً أخرى وعلق ملابسه (كخيال المآتة) على المئذنة، وعندما ظهر الصباح خيل للفرنسيين أنه واقف لا يتحرك فوجد أحدهم فى نفسه الشجاعة للصعود إليه والقبض عليه،وخاب ظنه فقد كانت ثيابه فقط !!!
كانت هذه صورة من صور مقاومة شعب أعزل لجيش عصرى منظم!